لماذا لم يسألنا الله قبل ان يخلقنا ؟

 


من الأسئلة والشبهات التي تدور في عقل الملحد:
1-لماذا وبالرغم من عدل ﷲ، لم يسألني عن رغبتي في أنْ أُخلق،
أو يسألني عن رغبتي في أنْ أُخلق من جنس البشر، أو أنْ أكون من أي جنس آخر؟ وللإجابة على هذا السؤال سوف نضرب مثالًا..وهو:
إذا ذهبت لأبي وسألته: لماذا لم يعطيني حق اختيار اسمي؛ فستكون إجابته أنني في هذا الوقت لن أعي معنى حديثه، فإذا أردت أنْ تسأل عن رغبتك في أنْ تُخلق؛ فسيكون أمامك خيارين:
الخيار الأول: إما أنْ يخلقك ﷲ، ثم تُسأل عن رغبتك في أنْ تُخلق، وسنتعرض هنا لنفس المُغالطة وهي أنَّ ﷲ خلقك بدون اختيارك.
الخيار الثاني: أنْ يسألك قبل أنْ تُخلق، وهذا مستحيل؛ فكيف يسألك قبل أنْ تُخلق وأنت في الأساس عدم!
وهنا يُعلق المُلحدُ مُستدلًا بأنَّ ﷲ عز وجل أخرج ذرية آدم من ظهر آدم، وأشهدهم على أنفسهم، وكان هذا قبل أنْ نُخلق،
قال تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ۖ قَالُوا بَلَىٰ ۛ شَهِدْنَا ۛ أَن تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَٰذَا غَافِلِينَ}
والإجابة على هذا السؤال، أنَّ النصوص التي جاء بها، أنَّ ﷲ أخرج ذرية آدم من ظهر آدم، وأشهدهم على أنفسهم، وإنْ كانت قد جاءت بالفعل، واعترفنا بوجودها إلا أنك لم تفهم هذه النصوص بشكل صحيح.
والحقيقة أنَّ عددًا كبيرًا من المُحققين مثل: ابن تيمية، ابن القيم، وابن كثير، وغيرهم، قالوا إنَّ معنى هذه النصوص أنَّ ﷲ خلق الناس على الفطرة.
ومن باب الأمانة العلمية، فإنَّ هناك بعض العلماء أخذوا هذه النصوص بالمعنى الظاهر.
ولكن هذا القول لم يُسبب لنا أي مُعضلة؛ لأنَّ الخلق في عالم الذر لم يكن خلقًا كاملًا، بمعنى أننا في ذلك الوقت لم نكن بهذه العقلية أو الشخصية الكاملة، وإنما كان كشيء معنوي.
فإذا سُئلنا في هذا الوقت سيصعب علينا الإجابة، بل إنَّه سيستحيل أنْ نستطيع الإجابة؛ لأنَّ في هذا الوقت لن يكون لدينا قدرة الاستيعاب والاختيار.
وهنا نقف عند سؤال أليس ﷲ قادرًا على كل شيء، لمَ لم يجعلنا قادرين على الاختيار والاستيعاب؟
والإجابة أنَّه إذا جعلنا ﷲ قادرين على الاستيعاب والاختيار؛ فسوف نعود للخيار الأول في هذه الحالة، سنُخلق بخلقة كاملة قادرة على الاستيعاب الكامل، ويُعلمنا ما هي النار وما هي الجنة، وما مصير المسلم وما مصير الكافر، لتكون لدينا قدرة الاختيار الوجود من العدم؛ فسنتعرض لنفس المُغالطة وهي أنَّ ﷲ خلقنا بدون اختيار.
لكن الخلق في هذه النصوص خلق غير مُلزم وليس بخلقة كاملة، والدليل على هذا أنَّ ﷲ أرسل بعد ذلك كتبًا ورسلًا، فإذا كان خلقنا في عالم الذر خلقًا كاملًا؛ لم يكن ﷲ ليرسل رسلًا وأنبياءًا وكتبًا، ولكنه أرسل؛ لأنَّ خلقنا في البداية، ونطقنا بالشهادة، لم يكن سوى شيء روحي غير مُتعقل بتمام التعقل، ولا بخلقة كاملة تُمكننا من الاختيار.
ولكن يجب علينا أن نقف عند نقطة أخرى في نفس الشبهة.
لنقف على سؤالك والذي هو لماذا لم يفعل الله هذا الفعل أو لماذا فعل هذا الفعل، وكأنك إله مع الله أو مواجه له عز وجل، وهذا هو منطلق سؤالك ومنطلق سؤالك خاطيء تمامًا.
لأن هذا السؤال لا يجوز أن يُسأل إلا بافتراض ما، وهو افتراض اعترافك بوجود إله بالفعل وأنه هو الذي خلقك، وأنت الآن تطرح هذا السؤال.
وهنا تكون الإجابة أنه لا جوز لمخلوق أن يعترض على فعل الإله الخالق، أو حتى يقول أنه ينبغي للخالق أن يفعل فعل ما.
وفي هذه النقطة سوف نطرح بعض الأسئلة وهي:
1.هل علمك بقدر علم الله؟
2.هل قدرتك بقدر قدرة الله؟
3.هل حكمتك بقدر حكمة الله؟
بالتأكيد الإجابة هي لا،قدرتك وحكمتك وعلمك لا يضاهوا شيء أمام علم الله وقدرته وحكمته، فعلى أي أساس تسأل هذا السؤال؟
وفي هذه النقطة نضرب مثال:
من الممكن أن أعاتب صديقي على فعل ما, ولكن ليس بإستطاعتي أن أعاتب الطبيب على طريقة فحصه لأن هذا ليس من اختصاصي وإنما من اختصاصه هو.
فإذا كان تعليقي على عمل الطبيب غير جائز لأنه يُعد تدخل في اختصاصه وعمله، فما هو الحال مع مخلوق يُعاتب الله على أفعاله وهو الخالق الملك، فمنطلق سؤالك الذي يوحي بأنك إله مع الله فالأصل مُنطلق خاطيء.
ومن النقاط الأخرى، أنك الآن فعليًا موجود في الدنيا ونحن كمسلمين مؤمنين بوجود الله، ونؤمن بأن الله عزوجل هو الذي أوجدك في الدنيا، وأنت تحاول أن تُظهر أن هناك مشكلة وهي أنك ترى أنه يجب على الله عز وجل أن يستشيرك قبل أن يوجدك، بمعنى أنك مُقر أن وجودك في الدنيا ليس على هواك، وأنك جئت إلى الدنيا بالإجبار.
وهنا نتوقف عند سؤال مُحدد، هل من حق الإله أن يخلق ما يشاء؟
والإجابة هي نعم بالتأكيد حق من حقوقه أن يخلق ما يشاء.
إذن لا يجوز الاعتراض على أن الله أوجدك حتى لو كنت مُجبر على وجودك في الدنيا.
وتلخيص هذا الموضوع ينتهي بخيارين، فإما أن تكون مؤمن ومسلم أو كافر ومُلحد.
فإذا كنت مسلم فالنهاية ستستسلم لأمر الله، بمعنى إن واقع الأمر أنك بالفعل قد وجدت في الدنيا والله أرسل النبي ﷺ وأنزل عليه القرآن وأعلمك إن الحياة الدنيا هي اختبار.
فالمسلم يقبل الأمر الواقع، ويعمل كل ما في وسعه ليدخله الله الجنة.
وأما كونك مُلحد أو كافر فأنت الآن في الدنيا ونظرًا لأنك مُلحد وأن اعتقادك هو أن مصيرك بعد الموت هو العدم، فأمامك الاختيار بين الحياة والعدم.
لكن المُعضلة التي تكمن لديك تتمثل في جهلك بمصيرك بعد الموت وهذا يسبب لك القلق والخوف.
أما عن المسلم فهو يعلم المخذى من وجوده في الدنيا وهو على علم بمصيره بعد الموت بناءً على إيمانه وأفعاله في الدنيا.
النقطة الثالثة، نبدأها بسؤال وهو ألم تُلاحظ أن مَن يسأل هذا السؤال (سؤال لماذا خلقني الله قبل أن يستشيرني)
هو شخص متعب في حياته و يائس منها بمعنى أنه لا يحب نفسه أو حياته.
وهذا لأنه لا يحب هذه الحياة الصعبة المُحزنة وليس لأنه لا يحب حياته كإنسان.
بمعنى أنه إذا كانت حياته مُختلفة ولو كانت حياته تُرضيه لم يكن ليعترض عليها.
وهنا نستنتج أن هذا السؤال نابع من عاطفة روحية وليس إدراك عقلي لمكانة الإنسان وعلة وجوده، وهنا تكمن الفكرة، فإذا قمت بالتفكير بعاطفتك ستصل للشبهة، أما إذا قمت بالتفكير بعقلية متأنية مُدركة لعلة وجود الإنسان ومكانته في خلق الله وعلة حياته من المستحيل أن تصل لهذه الشبهة.
وهناك نقطة أخرى يجب أن نسلط عليها الضوء من خلال تفكير عقلاني بسيط، وهي أننا إذا افترضنا أن الله عرض عليك أنك إذا قمت بطاعته فستدخل الجنة، وإذا قمت بعصيانه فستدخل النار، وأدركت معنى الجنة والنار وأن مصير الجنة سهل الحصول عليه فبالتأكيد ستختار المصير الذي تصل به إلى الجنة.
نقطة أخرى بما أنك تقول أن الله خلقك بدون استشارتك، وأنا كشخص مسلم سأخبرك أن الله هو الحكيم العليم.
فهل تتخيل أن اختيارك لنفسك سيكون أفضل من اختيار الله لك؟ بالتأكيد لا.
النقطة الرابعة فإذا تخيلنا أنك تمتلك مقياسيين للاختيار بين وجودك من عدمه، بمعنى أنك تمتلك احتمال من احتمالين في مسألة وجودك وعدمه.
الاحتمال الأول: أنك في كل الأحوال ستُخلق ولكن أمامك الاختيار ف مسألة الاختيار من أي جنس ستُخلق (إنسان، حيوان، أو غيره)وفي هذه الحالة بالتأكيد ستختار أعلى المخلوقات إدراكًا ومعيشة وتفضيل؛ فستقوم باختيار الإنسان.
الإحتمال الثاني:هو وجودك كإنسان أو عدم وجودك من الأساس.
وقبل أن تقوم بالإجابة دعنا نضرب مثال:إذا سألك أحدهم أتريد شرب الشاي أم الموتوفوشيا فماذا ستختار؟
من الواضح أنك ستسأل كيف لي أن اختار بين الشاى وشيء لا أعرفه، بل ولم يتسنى لي تجربته قط.
وهذا ينطبق عليك؛ فعندما عرضت عليك اختيارين، ومنهم اختيار مجهول لا تعلمه لم تستطع الاختيار.
فهل تعرف ما هو العدم وكيفيته, وهل قمت بتجربة العدم من قبل؟ بالتأكيد لا، إذن أنت لا تعلم ما هو العدم أو كيفيته، فالعدم بالنسبة لك هو شيء مجهول.
وقانون المُفاضلة والذي يعني التفضيل بين اختيارين يؤكد على إن التفضيل يجب أن يكون بعد العلم بالشيئين اللذان سيتم الاختيار بينهما، لتختار الأفضل على حسب علمك بالاختيارات التي وضعت أمامك.
وهنا سوف نعود إلى سؤالنا، هل ستختار أن تكون عدم أم إنسان؟ وهنا ستختار بين كونك إنسان أو شيء لا تعلمه، فكيف ستختار؟ وحتى إذا أصررت على أن تختار؛ فسأخبرك أن العقل السليم يوجبك أن تختار أن تكون إنسان في حياة يوجد بها خير وشر وآخرها جنة مُخلد فيها للأبد، وهذا إذا أطعت الله لعدد من السنوات.
وهذا سيكون الاختيار الأفضل لك، وهو أفضل من اختيارك للعدم والذي لن تجد فيه خير أو شر ولا تعلم عنه شيء ولا عن كيفيته.
ولذلك ستجد أن أفضل وأنجح الناس هم المتمسكين بالحياة بالرغم من وجود الصعوبات والعقبات في حياتهم، ولكن الفكرة هنا تكمن في أن عقلهم الذي أوصلهم للنجاح هو الذي أثبتلهم مكانة الإنسان في خلق الله، وأن الحياة هي شيء جميل وممتع، وإن كونك إنسان فأنت أعلى المخلوقات تفضيلًا عند الخالق.
فإذا لم ترد الحياة ولم تحب كونك إنسان فهذا ينبع من فشلك في إمكانية تأقلمك مع الحياة ومع مكانتك في الكون، ولا ينبع من خطأ في بداية الخلق.
وآخر نقطة: فإذا أعطاك شخص قصر ومال وأخبرك أن كل هذا أصبح ملكك، فهل ستخبره بأن يستشيرك قبل إعطائك كل هذا؟
فإذا أجبت بنعم، فيرجع هذا لخلل عندك ولمدى قدرة استيعابك للخير والشر.
ولكن من الطبيعي أن يُسعدك شىء كهذا لأنه خير لك؛ فيجب عليك شكره لا أن تعاتبه على ما أعطاك.
وكذلك مع الله ولله المثل الأعلى، فقد منَّ عليك الله بجعلك إنسان بدلًا من أن تكون (حيوان, أو نبات, أو طير).
ولكنه جعلك في أعلى مستوى المخلوقات وأفضلهم وأعلمهم، وخلقك بيده سبحانه، ونفخ فيك من روحه، وأمر أطهر الخلق بأن يسجدوا لك وهم الملائكة.
فقال تعالى:(فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ (29)فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ)(30)الحجر
وعندما رفض إبليس أن يسجد لك طرده الله من الجنة، وطرده من رحمته إلى يوم الدين.
فقال تعالى:(قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا لَكَ أَلَّا تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ (32) قَالَ لَمْ أَكُن لِّأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ (33) قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (34) وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَىٰ يَوْمِ الدِّينِ (35)الحجر
ثم كرمك وقال لك من فوق سبع سموات:(وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا (70)الإسراء
ثم أعطاك أفضل شكل، وعقل، وقوام، وقال:(لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (4)التين
ثم جعل الأرض بالكامل مُتذللة تحت أمرك فقال تعالى:(وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ (72)يس
ثم خلق لك البهائم والدواب وقال تعالى:(وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا ۗ لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (5) وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ (6)وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَىٰ بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنفُسِ ۚ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ (7) وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً ۚ وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (8)النحل
وهل بعد كل هذا تقول:(لماذا خلقني الله بدون أن يستشيرني)، فحديثك هذا يشبه شخص كان يعيش في الصحراء وعندما جاء من يطعمه ويأويه ويكرمه قال له:لماذا أعطيتني كل هذا؟ لماذا لم تسألني؟
إذن فالخلاصة أن هذا الموضوع من جميع النواحي يعني شيء واحد وهو أن كونك إنسان هذه أفضل نعمة من الخالق.
فقولك(لماذا خلقني الله بدون أن يستشيرني) وكأنك تقول لماذا أعطاني الله هذه النعمة الكبيرة بدون استشارتي.

تعليقات

المشاركات الشائعة