لماذا يعذب الكافر للأبد ؟؟

 في هذا المقال سنتكلم عن موضوع من أهم المواضيع التي يسأل عنها معظم الناس.

وسنبدأ بسؤال, هل الله عز وجل عادل حق؟ إذن لماذا يُعذب الكافر في النار للأبد على الرغم من أن حياته التي قضاها في الكفر وإن طالت, فمدتها في النهاية تتراوح ما بين 7إلى8 سنوات، فكيف يُعاقب في النار للأبد, وأين عدل الله هنا؟
قبل الإجابة على هذا السؤال علينا أن نفهم أن تركيب السؤال لو تم تفصيله ستعرف الإجابة
بمعنى أن السؤال مُنطلقه أن عقاب الله للكافر ظلم ولنركز قليلًا على كلمة ظلم، فالظلم والعدل والخير والشر من أين تكتسب هذه الكلمات معانيها وهل يوجد بالفعل قيم أخلاقية تسمى بالظلم والعدل والخير والشر؟ ومن أين تكتسب هذه القيم قيمتها؟
سنستفيض قليلًا في شرح هذه النقطة، ولتفهم مقصدي لنضرب مثال لشخص ترعرع في الغابة ونضج فيها فجئت أنت وأخبرته أن يصلي العصر فبالتأكيد أن هذا الشخص لن يفهم مقصدك وسينظر لك بذهول وإذا أخبرته بأن يكف عن أكل الطعام المُلقى على الأرض لأن هذا فعل خاطيء بالتأكيد سيصيبه الذهول من كلامك لأنه بإختصار لا يعلم معنى الخطأ.
فإذا تحدثنا عن أصل كل اللغات ومعاني الكلمات والتي تمثل مشكلة لدى الأشخاص الماديين، الطبيعيين أصحاب نظرية التطور، سنجد أن الإسلام يعلمنا أن الله هو مصدر اللغة والكلمات والاسماء والمعاني لذلك قال تعالى في سورة البقرة آية(31)(وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَٰؤُلَاءِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ)
وقال تعالى في سورة الرحمن(الرَّحْمَٰنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (2) خَلَقَ الْإِنسَانَ (3) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ (4)
فنحن عندما ولدنا لم نكن نستطيع الكلام بأي لغة ولكننا وجدنا آباءنا ومجتمعنا يتحدثون ويصنعون الخير والشر, وتعلم المجتمع هذه المصطلحات من الدين وتعاليم الرسل بداية من آدم عليه السلام, والله سبحانه هو الذي أنزل الدين والرسل، بمعنى أن الذي علمك معاني العدل والظلم هو الله، وأنت هنا تقول أن فعل الله ظلم، وهذا اعتراض على المعلم الذي علمك معنى المصطلح ،الذي لم تكن لتعرفه لولا أن علمك الله.
وكأن الذي كتب دستور مصر يقول أن المادة 160 تنص على كذا فتعترض أنت على كلامك قائلًا أن هذه المادة لا تنص على هذا فكيف تعترض على كلامه وهو الذي وضع هذه النصوص ولولاه لم تكن لتعرف الدستور أو نص المادة فكيف تعترض على كلامه ونصوصه وهو الذي علمك هذا الكلام.
كذلك مع الله ولله المثل الأعلى، وبالإضافة لمعاني الكلمات فإن الله هو السبب في جعل هذه القيم حقيقة بالفعل.
وللإيضاح سنطرح سؤال، هل العدل قيمة أخلاقية حقيقية موضوعية، بمعنى أن هناك شيء حقيقي يسمى بالعدل، أو أن العدل شيء جيد، وهل هناك شيء حقيقي يسمى ظلم، وأنه شء جيد.
في الحقيقة، إن هذه القيم ليس لها وجود ولن تكون حقيقية وموضوعية إلا بوجود الله عز وجل، ولو لم إن لم يكن هناك إله إذن لا يوجد قيم حقيقية موضوعية.
ولكن كل إنسان يعلم بشكل فطري أن هناك قيم أخلاقية موضوعية، والجميع يعلم أن العدل شيء جيد والظلم سيء.
إذن في النهاية علينا أن نقول أن الله عز وجل هو الذي يعطي للخير والعدل قيمتهم وأن الله عز وجل هو الذي علمنا معنى الخير والعدل والظلم.
والنقطة الثانية أن اعتراضك موجه لله عز وجل وليس اعتراض موجه لإنسان يسهو أو يظلم أو علمه غير كامل بمعنى أنه بمجرد اعترافك بألوهيته يعني هذا أنك اعترفت بتمام علمه وعدله والمشكلة تكمن في عدم فهمك لمفهوم العدل وليست ف عدم تطبيق العدل من العادل نفسه.
لنعود لإجابة السؤال, أولًا إن عذاب الكفار ليس عذاب امدي وليس له نهاية فبعض العلماء قالوا إن النار ليست أبدية أي أن لها نهاية في وقت ما ومع نهايتها ينتهي عذاب الكفار ويصبح تراب ويفنى، وبهذا الرأي فأساس المشكلة لم يعد له وجود وهذا يعني أن الشبهة انتهت.
بالرغم من أن هذا القول ضعيف ويخالف قول جمهور أهل العلم إلا إن القول بفناء النار قول مقبول, بمعنى أن قائله ليس بكافر أو مبتدع فإذا كان هذا الرأي سينقذك من الإلحاد فتستطيع أن تأخذ به.
ولكن لنتوسع ونذكر الرأي الآخر وهو مذهب جمهور أهل العلم وهو أن النار أبدية وليس لها نهاية وكذلك عذاب أهل النار من الكفار ليس له نهاية، وحتى هذا الرأي لا يعني أن العقاب لا يساوي الجريمة، لأن قياسك للعقاب على أنه يجب أن يساوي مدة الجريمة هو قياس خاطيء تمامًا، لأن عقاب الكافر لا يشترط أن يساوي مدة كفره.
مثال:القاتل يرتكب جريمة القتل في مدة لا تتجاوز الدقائق ومع ذلك مدة عقابه 25 سنة وكذلك أي فاعل جريمة, إذن فالخطأ يعود لمقياسك لكيفية العقاب .
ومن تمام العقل والتفكر والذي تقوم عليه جميع قوانين العالم أن عقاب الجريمة لا يتوقف على مدة فعلها وإنما بحجمها وقدرها، وإذا كان الله قد قدر أن الإيمان جزاؤه الخلود في الجنة فهو وحده القادر على تقدير عقوبة النار للكفر والشرك، فهو الذي علمنا أنه لا يوجد جريمة أعظم من الكفر والشرك بالذي خلقنا وكرمنا، فقال تعالى(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَٰئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (161)البقرة
وقال(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ أُولَٰئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ (6) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَٰئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ (7) جَزَاؤُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۖ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ۚ ذَٰلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ (8)البينة
وهناك وجه آخر لرد الشبهة وهو أن الله عز وجل أعطى للكافر فرصة العيش في الدنيا بتمام الإرادة الحرة وأعطاه القدرة على الاختيار وكان الله عز وجل يعلم من قبل أن يخلق الكافر أنه سيكفر ولكنه خلقه ليكون حجة على نفسه ولذلك خلقه وأعطاه تمام الإرادة والقدرة على الاختيار ولكنه اختار الكفر بمعنى أنه حقق علم الله لما سوف يكون.
وأيضًا من علم الله للكفار قوله تعالى(بَلْ بَدَا لَهُم مَّا كَانُوا يُخْفُونَ مِن قَبْلُ ۖ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (28)الأنعام
بمعنى أنه سبحانه إذا ردهم للحياة مرة أخرى كانوا سيكفرون.
إذن الموضوع أعمق من مجرد الفترة الزمنية البسيطة الذي قضاها في الكفر، لأنه لو عاش حياته مرة أخرى سيكفر.
فالله سبحانه وتعالى لعلمه بكفرهم للأبد عاقبهم بعذاب للأبد.
ونقطة أخرى, لماذا ذُهلت بعذاب الكافر عذاب أمدي برغم كفره لعدد من السنوات، ولم تُعلق على أن المؤمن يؤمن ويطيع نفس المدة ويُخلد في الجنة.
جزء آخر، أن مَن يُخلد في النار ليس العاصي أو الفاسق وإنما هو شخص لنطبقت عليه شروط معينة وهذه الشروط هي:1.يجب أن يكون قد بُلِغ بالرسالة لقوله تعالى(وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولًا (15)الإسراء
2.أن يكون عاقل واعي لهذه الرسالة
3.أن يكون بالغ
4.أن يكون كافر تمامًا بمعنى أنه لا يوجد في قلبه ذرة إيمان، وهذا وضحه الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث الشفاعة في قوله(أن الله يقول للملائكة يوم القيامة:ارْجِعُوا فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ مِنْ خَيْرٍ فَأَخْرِجُوهُ .
وهذا يدل على أن الشخص الذي سيُخلد في النار هو شخص بلغ من الكبر والجحود ما يجعله مستحق للخلود في النار.
شخص خلقه الله وفضله على جمع خلقه وأنزل له أنبياء ورسل وكتب وأبلغه الرسالة والدلائل الكافية الشافية على تصديق الرسالة وكان واعي لها وعاقل تمام العقل وأعطاه الله فرصة لسنين وعمر كامل وبعد كل ذلك لم يجد في قلبه ذرة إيمان.
وهل بعد ما بلغ هذا الحد من الجحود والتكبر تريد أن يرحمه الله؟
قال تعالى في سورة الشورى آية 16(وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِن بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ)
وأما عن مَن يقدم اعتراضه مُرفقًا بآية(ورحمتي وسعت كل شيء)
فنقول له أن يُكمل الآية، قال تعالى( وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ۚ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ)
فرحمته سبحانه لمن يستحقها فقط وليست لمَن يكفر بالله.

تعليقات

المشاركات الشائعة